أعمالها الفنّية هي تراكمات لما تشاهد وتسمع وتقرأ وتتذوّق، لديها الكثير من الفضول الإنساني والفنّي، هي قارئة جيّدة ومطّلعة .. مولعة بالشعر .. مهتمّة بالمسرح والموسيقى، وعاشقة متأملة للطبيعة، تؤمن بأن الفنّان مجموعة فنون لا تنفصل عن بعضها البعض، كما لا يمكن فصل خياله عن واقعه، وهذا ما يتجسّد بشكل واضح في أعمالها الفنّيّة التي تحمل كلٍ منها قصّة، ولا تفصِل فيها بين مختلف الفنون، بدءاً من المسرح الذي يتواجد في لوحاتها لتُجَسّد بعضها مسرحيّة كاملة، والشعر الموجود في أعمالها بشكل كبير، كما لا تخلو لوحاتها من الموسيقى بشكل مباشر أو غير مباشر، أمّا عشقها للون فهي قصّة أخرى، إنّها الفنّانة السعوديّة منيرة موصلي سنتعرّف عليها بين سطور الحوار التالي:
فلنبدأ بأوّل معارضك الفنّية مع الفنّانة القديرة صفيّة بن زقر، ماذا تتذكّرين من هذه التجربة؟
كان معرض عظيم جدّاً أفتخر به، اقام ضجّة اجتماعيّة معظمها إيجابي، حيث كنّا أول فنّانتين تقيمان معرضاً في السعوديّة، وأقيم في دار التربية الحديثة التي تملكها الأميرة مشاعل، وافتتحه الأمير مشعل أمير المنطقة الشرقية، وكانت فترة معاصرة لجميع الشعراء من الرواد في مجال الشعر الذين حضروا المعرض وقدّموا لنا الدعم، وكنت حينها صغيرة في العمر ومازلت في مراحل الدراسة، سَعِدْت كثيراً بعرض لوحاتي التي قمْت برسمها في الكليّة، كان طرحي كلاسيكياً مباشراً، تأثيريّا وليس تجريديّاً، وكنت أنا والفنّانة صفيّة بن زقر أول من يقدّم فن الكولاج.
كيف كان انطباع الحاضرين لأول معارضك، وهل اختلف وعي المتلقّين للفن حالياً عن الوقت السابق؟ ولماذا؟
المتلقّي لديه إحساس وتذوّق بالفن يختلف من عصر إلى آخر، كان حينها المتلقين للفن متعطّشين، كان الزوّار يأتون للمعرض من مختلف طبقات المجتمع يوميّاً بالرغم من صغر المكان، ويبدون إعجابهم وانبهارهم بأعمالنا الفنّية، الكثير منهم يتساءل ويطلب شرح لها، حيث كانت الحركة التشكيليّة مازالت في بداياتها، وبالرغم من أن الوعي بالفن يتطوّر عبر العصور، إلّا أن المتلقي حالياً أصبح أكثر انشغالاً بالمادّيّات، والمشتّتات بتغيّر إيقاع الحياة، وروح العصر، فتغيّرت انشغالات الناس، وللأسف أصبح الفن التشكيلي مقصوراً على فئة معينة من المثقفين، ليتم تصنيفه كفن أقليّات في جميع أنحاء العالم، هذا لا يعني أن معارضي الأخيرة ليست ناجحة، بل أقمنا للمعرض الأخير ثلاثة افتتاحات، أولها افتتاح لزوار ٢١،٣٩، وافتتاح الإعلاميين، ثم الافتتاح العام،
وجميعها لاقت نجاحاً كبيراً.
من هم اكثر الفنّانين والكُتّاب تأثيراً على أعمالك الفنّيّة؟
تأثرّت في بداياتي وخلال اللبنة الأولى لتكويني بأستاذي الفنّان عبد الهادي الجزار، ومع مرور الوقت أصبح لي اسلوبي الخاص في الفن، وبالرغم من انّني احب بيكاسو جداً إلّا أنّه ليس له أي تأثير على أعمالي، كما أحببت الفن البدائي الذي كان يستخدمه أجدادنا مثل الحفريّات على الكهوف، وقد انعكس ذلك على عملي «براعم الصحراء» ذلك العمل الذي أهديه إلى المرأة في بلدي، وتأثّرْت بكتابات نجيب محفوظ، ومجموعة من الروحانيات، والأدب الصوفي، كما أنّني مولعة بالشعر، أقرأ أدب وأشعار المقاومة الفلسطينيّة، وقراءات لنوال السعداوي كل هذه الحصيلة ظهرت على أعمالي الفنّية.
تنوّعين دائماً بين الخامات المستخدمة في أعمالك الفنّية .. ما السر في ذلك؟
أحب دائماً استكشاف وتجربة كل جديد، ليس فقط في الفن بل في حياتي بصفة عامّة، وأؤمن بأن الفنّان يجب أن يكون متحرّكاً بطبيعته كجسم الإنسان الذي لا يسكن طالما هو على قيد الحياة، فالدم يجري في عروقنا حتى ونحن نائمون، وعقولنا لا تتوقّف عن العمل، كذلك الكون والطبيعة التي تتغيّر وتتجدّد باختلاف فصولها، كل هذا لا ينفصل عن الفن واختياري لخاماتي، وعلى الفنّان أن يجرّب ثم يختار الأنسب له، قمت بتجربة جميع الخامات لأجد أنّني أميل للخامات الطبيعيّة والنحت المجسّم، ويعود ذلك لشعوري بهويّتي العربيّة
“على سلالم اللون هناك آثار لخطواتي” ما الفكرة وراء اختيار هذا المسمّى للمعرض الأخير؟
جاءت الفكرة من أن لدي مسيرة فنّيّة طويلة، واللون هو البطل في هذه المسيرة، ويجب أن أترك بصمتي على خارطة العالم التشكيليّة وبالأخص خارطة بلدي والوطن العربي، ذهبت إلى الشاعر البحريني أحمد العجمي، وهو صديق لي ويعرف مسيرتي بشكل كبير، شرحت له تصوّري وطلبت منه مساعدتي في اختيار مسمّى المعرض، بحيث أدمج جميع المعاني التي أريدها في جملة بسيطة تحمل وقع جميل، وبالفعل هذا ما حدث واخترت المسمّى “على سلالم اللون هناك آثار لخطواتي
ماذا يمثّل اللون للفنّانة منيرة موصلي؟
بالرغم من أنّني قادمة من بيئة صحراويّة، إلّا أنّني أرى اللون بدقة عالية جداً، أستيقظ في وقت مبكّر لأتأمّل ساعات النهار وتغيّر ألوان السماء منذ الفجر وحتى ساعات الليل، وفي كل فترة من فترات اليوم أرى لوناً، حتى في غيمة السحب وهطول الأمطار أرى لوناً، اللون هو البطل في أعمالي وهو المحرّك الأساسي لمشاعري، كما أنَّ الزمان والمكان لهما تأثيراً كبيراً على أعمالي، ولا يمكن أن يُفْرَض عليّ لوناً ما، بل أصنع أنا ألواني التي أقوم بدمجها في پاليتة الألوان الخاصّة بي وحدي.
هل كانت دراستك لعلم النفس الفني تأثير على الالوان التي تختارينها في أعمالك الفنّيّة، وتحليلك للأشخاص داخل العمل؟
لا ليس لها علاقة، فأنا أرى اللون وأشعر به، وأتأثّر به جداً من قبل دراسة علم نفس الألوان، حيث يدخل اللون في منظومتي الداخليّة، في عظامي في روحي ومشاعري وعروقي ومسامي، سواء كان لوناً حزيناً أو فرحاً، أعتبر نفسي أنا عبارة عن لون، وقد حصلت على دورة في تحليل شخصية الإنسان ومساعدته على تجاوز الأمور العالقة في حياته من خلال اللون، ولا شك أن الدراسة قد أفادتني في تحليل الآخر من خلال الألوان التي يرتديها، وطريقة ارتداءه لها، وكيفيّة تحرّكه، وقد يكون لملامحه دور أحياناً.
هل تحمل الألوان التي تختارينها لأعمالك الفنّيّة طابعاً من الإيجابية والفرح؟
لا يوجد شيء يسمى لون إيجابي ولون سلبي، بل يعتمد على كيفيّة تعامل الفنّان مع اللون، وأين يضعه ومتى أيضاً، فإذا بدأت أرسم وأنا في حالة نفسيّة غير جيّدة أجد اختياري للون يختلف، لذلك أحرص على عدم تلوين العمل في حالات التوتر، وهذا لا يعني أنّني لا أقوم بالتلوين إلّا وأنا سعيدة، بل أقوم بالتلوين في لحظات حزني أيضاً، فالأهم أن يعبّر اللون عن شعور الفنّان في اللحظة التي يعمل فيها، ولدي الكثير من اللوح التي تحمل ألواناً داكنة، مثل لوحة الصمت، ولوحة الكون وغيرها.
فسّري لنا أكثر معنى لوحة الكون، ولماذا استخدمْتِ فيها هذه الألوان؟
وهي تحية لجلال الدين الرومي، وإذا رأينا البقعة السوداء في أسفل اللوحة نجدها عبارة عن مجموعة ألوان مع بعضها البعض، تعبر عن مجموعة من الأشخاص التائهين في هذا العالم المتخبط جداً، فهذه اللوحة تتندم على الماضي الجميل والحاضر الذي أخشى أن يتلوّث، وبعد هذه الضبابيّة هنالك أمل وشمس ستسطع تحته، المنطقة الداكنة في اللوحة أو البقعة السوداء ليست لوناً واحداً بل هي عبارة عن تشكيلة من الألوان، مثل الأسود والأخضر والأزرق، كما يلعب الظل والنور دوراً كبيراً في العمل، ومن هنا لا يوجد ما يسمّى باللون الواحد، فحتى اللون الأسود هو مجموعة ألوان، ويختلف تحليل اللون من عمل إلى آخر.
لماذا تستخدمين الألوان الطبيعيّة، وتصنعين الألوان بالطريقة التقليديّة لصنع اللون؟ لأن الألوان الطبيعيّة بها شيء جميل جداً وأصالة، فألوان الزعفران والرمّان تتميّز بثباتها ودوامها لفترة طويلة، وبالنسبة إليّ الألوان الطبيعيّة هي بمثابة الاستكشاف، وتحتوي شيء خاص بي أنا، حتى في عصر النهضة في إيطاليا كان الفنّانين يعملون على ألوانهم بأنفسهم كخلط اللون بالبيض وصنع الفريسكو “Fresco” الذي يعملون من خلاله الجداريات، وهكذا أنا لا أحب أن يفرض عليّ شيء، حتى حين تأتيني قطعة قماش أو لوحة زيتيّة، لا أستعملها بشكلها وحجمها الطبيعي، بل أقوم بقصّها وتغييرها ثم العمل عليّها، فالفن هو عالمي الذي أصول وأجول فيه، أقدّمه بالشكل الذي أراه وأشعر به.
ما هي معايير اختيارك للوحات التي عُرِضَت في حافظ جاليري من بين جميع أعمالِك الفنّيّة؟
لم آتي بكل لوحاتي وتاريخي لهذا المعرض في حافظ جاليري بشكل عشوائي، بل كان اختيار اللوحات وفق قرارات مدروسة، مكثّت ٦ أشهر من التفكير والبحث في أرشيفي لانتقاء الأعمال التي أعرضها، وقمت باستبعاد الكثير من اللوحات التي تكفي لأكثر من عشر معارض، ليس لأنّها رديئة بل لأن لدي تصوّر بتخطيط معيّن للأعمال التي أود عرضها في حافظ جاليري حتى أُقَدّم من خلالها مسيرة معيّنة. حيث جئت بباقة كاملة للجمهور لا تقتصر على مجرّد القيام بمعرض فنّي أعرض فيه لوحاتي، بل جئت بالمعلومات والفيديوهات لسيرتي الذاتيّة ومسيرتي، وأتيت بالمواد والخامات للخروج بباقة كبيرة أصل من خلالها للمتلقين والشباب، والمدارس والجامعات، كاشفة عن أسرار الطريقة التي أعمل بها، فالفنّان الواثق في إمكانيّاته وقدراته والأهم وطنيّته يحرص على أن ينقل حبّه للناس، وبالنسبة لي الفن هو حبّي وعشقي الذي أنقله للناس لأمتّعهم به.
ما سبب اختيارك لحافظ جاليري؟ وكيف كانت تجربتك معهم؟
منذ عشر سنوات وأنا أبحث عن صالة تعرض أعمالي، وأقمت بحث على مختلف الصالات في المنطقة، ولجميع صالات العرض احترامها هي والقائمين عليها، ولكل شخص يضيف إلى الفن في السعوديّة، ولكنّني وجدت في حافظ جاليري ما يلائمني، من حيث المكان الواسع والراحة في التعامل مع مديرة الصالة «سلمى عناني» ومالك الصالة «قسورة حافظ»، ولي تجربة ناجحة معهم في معرض شارة، وتعد تجربتي الثانية معهم هي معرض «على سلالم اللون هناك آثار لخطواتي»; تجربة غنيّة جداً بكل ما تحمله الكلمة من معنى، حيث حَمَلَ العمل على هذا المعرض الكثير من التعب، سواء من طرفي أو من طرفهم، فقد منحناه الكثير من الوقت والجهد، وأعطيناه حقّه من التخطيط بكافة التفاصيل، بدءاً من اختيار الأعمال، والتأمين عليها وإخراج المطبوعات، واختيار الكتّاب الذين حرصْت على انتقاءهم بنفسي، وغيرها الكثير من التفاصيل.
ماذا أضافت لكِ مشاركتك في حافظ جاليري؟
أولاً اكتشافي لمديرة المعرض «سلمى» وفريق عمل حافظ جاليري «وفاء» «وسلاف» الذين أعطوا من وقتهم وجهدهم لإنجاح هذا المعرض، وهذه ليست مجاملة، بل إن مديرة المعرض «سلمى عناني» إنسانة لا تقبل بأنصاف الحلول، لطالما كنت أتمنى أن أقابل امرأة من بلدي مهتمّة بالفن وتعمل بجهد واجتهاد وتدير صالة بنفس مستوى الصالات العالميّة التي زرتها، وهذا ما وجدته في سلمى منذ أول تعامل معها في شارة، فبالرغم من صغر عمرها إلّ أنّها تمتلك مهنيّة عالية وقدرة على السيطرة على نفسها، تعمل بشكل متواصل دون راحة لأنّها عاشقة لعملها، تحمل في داخلها فنّانة كبيرة تحرص على أدق التفاصيل حتى في مواقع تعليق اللوحات، وبالإضافة إلى ما سبق تتعامل مع الجميع بود واحترام، وتستقبل ضيوف المعرض بابتسامة مشرقة حتى وهي في قمّة انشغالها، عَمِلَت سلمى على هذا المعرض كما توَلِّد الأم وليد وتحتضنه، وإلى هذه اللحظة لن أمِل سلمى وسعيدة جدّاً بالعمل معها، وانا على يقين بان حافظ جاليري توفّر نفس القدر من الاهتمام لجميع المعارض التي تقام لديهم، فـ «قسورة حافظ» مالك الصالة يؤمن بالجودة، وهذه هي سياستهم، والصورة التي تود إدارة الصالة أن ترى نفسها فيها.
توجّهنا بنفس الأسئلة لمديرة صالة العرض سلمى عناني لنتعرّف على كواليس التحضير للمعرض فدار بيننا هذا الحوار: من يرى المعرض لا يتصوّر الجهد والمدّة التي قضيناها للخروج به في هذه الصورة، فقد قضينا ٥ أشهر من لتجهيز لهذا المعرض،وإلى اليوم مازال العمل مستمر وبالرغم من مرور الكثير من الوقت على افتتاح، فكان هناك تجهيزات سبقت المعرض بأشهر وخلال المعرض وبعد المعرض، وستستمر التجربة بمشاركتنا في آرت دبي في شهر مارس، بمشاركة الدكتور أحمد نوّار وهو فنّان كبير من رواد الحركة التشكيليّة في مصر، حيث حمل عملنا أيضاً تجهيزات كثيرة لآرت دبي الذي يعد أهم معرض للفنّ حول العالم كونه يجمع الشرق بالغرب، ويستقطب زوّار من مختلف المستويات.
ماذا عن تجربتك بالعمل مع الفنّانة منيرة موصلي؟ وماذا تعلمْتِ منها؟
تعلّمت منها الصبر، حيث صبرنا كثيراً وعملنا بالكثير من التفاصيل، كان أول لقاء لي بالفنّانة منيرة موصلي في شارة، ولاحظت القدر الكبير من حبّها وخوفها على أعمالها، فعلاقتها بأعمالها الفنّية كعلاقة الأم بأبناءها، حيث تطلب الفنّانة منيرة موصلي حماية عاليّة جداً على أعمالها، ممنوع الأقتراب من أي عمل أو ملامسته إلّا في ظروف معيّنة وفي تواجدنا، وبارتداء قفّازات بخامات معيّنة لا تؤثّر على العمل، تعلّمت أشياء وتفاصيل لم أكن أعلمها من قبل، عرفت بأن القفّازات يجب أن تكون مصنوعة من القطن وليس البلاستيك الذي يسمح لليد بالتعرّق، ويؤثّر على الأعمال الفنّية المصنوعة من القماش، حيث وصلتنا أعمالها مغلّفة في أقمشة بإحكام، وكل عمل مغلّف بالخامة التي تحافظ عليه، واستغرق فكّها يوماً كاملاٍ، ولعل هذا يبدو واضحاً على الأعمال التي تبدو جديدة، وحين ننظر إلى تاريخها نجدها تعود إلى الثمانينات وبعضها إلى الستّينات، ولكن يبدو عليها الاهتمام.
وهل هذا هو سبب وضعكم لتلك الحواجز على اللوحات؟ ولماذا؟
نعم فهذه هي المرّة الأولى التي نضع فيها حواجز على الأعمال الفنّيّة، والسبب أن ثقافة المعارض جديدة على المجتمع، وهناك شريحة كبيرة لم تعتاد زيارة المعارض الفنّية، وحين يشاهدون عمل فنّي مصنوع من القماش أو يحتوي القماش تكون أول ردّة فعل لهم هي ملامسته لاستكشافه، وهذه كارثة للفنّان ولصالة العرض، فهي اعمال دقيقة جدّاً ومتحفيّة، ولا تتحمّل أن يقوم أحد بملامستها، لذلك وَجَبَ علينا حمايتها، فقرّرنا بمساعدة الفنّان راشد الشعشعي تصميم تلك الحواجز خصّيصاً لهذا المعرض.
هل واجهتكم بعض الصعوبات خلال هذا للمعرض؟ أو كانت هنالك أية سلبيّات أو منغصات؟
الصعوبة الوحيدة هو أن نصل إلى المتلقين، وأن يتم تقدير الجهود التي بُذِلَت في المعرض، وأن يقدّر الجيل الناشئ تلك الأعمال القيّمة التي أتينا له بها من جيل الفنّانة منيرة الموصلي، وأحزن حين أجد الجيل الناشئ لم يرى هذه الأعمال من قبل ولا يعرفها، حيث يواجه الفن العربي والشرق أوسطي صعوبة التوثيق، وقلّة المصادر، أنا كإنسانة مهتمّة بالفن لم أن أجد مصادر سواء في الجامعات أو المدارس أو الكتب، أو حتى حين أسافر إلى الخارج للبحث عن مصدر، للأسف المصادر معدومة، لذلك عملت بجهد على هذا المعرض من أجل توفير المصادر للفن وتعريف الشباب بهذا الجيل بقدر المستطاع، أتمنى أن نصل إلى المدارس، ونقوم بعمل زيارات للأطفال، حاولنا ولكن للأسف لم يكن هناك تجاوباً معنا
ما المنغصات التي واجهت منيرة موصلي في العمل على المعرض الأخير؟
السلبيات قليلة جدّاً، تكمن فقط في الظرف نفسه والوقت حيث تزامن المعرض مع المهرجان الفنّي القائم في مدينة جدّة، فحدث للمتلقين حالة من التشبّع بالفن، بسبب تعدّد زياراتهم لمختلف المعارض ورؤيتهم للكثير من الأعمال، وكنت أخشى أن لا تكون التفاصيل بنفس الجودة التي أريدها، ثم اكتشفت أنّ إدارة الصالة تعمل تماماً على على نفس النهج الذي أريده، كما أنّني كنت أتمنى أن أكون مقيمة في مدينة جدّة حتى أعطي المزيد من الوقت للأشخاص المتعطشين لمقابلتي، والحديث معهم جميعاً والتعرّف على آراءهم في المعرض، فأنا شخص لا يخشى النقد الغير جارح لأستفيد وأتعلّم حتى آخر يوم في عمري.
في رأيك ما الذي ينقص الفن في السعوديّة؟
للأسف غياب الحركة النقديّة وغياب عين المشاهد الواعي هو ظلم للفنّان وللمتلقي، وكذلك غياب التوثيق، أتمنى أن يكون هنالك كليّات متخصصة ومعاهد يخرج منها جيل من الفنّانين المتذوقين يحملون رسالة الفن على قواعد وأسس، وأن تشمل تلك المدارس مختلف الفنون بما فيها فن النقد، والمسرح والموسيقى، بجانب الفنّ التشكيلي، فالفنون في أوروبا والعالم العربي، لم تنهض إلّا بالتحام الفنون التي ترتبط مع بعضها البعض، فالمسرح والموسيقى والفن التشكيلي بالإضافة إلى الطبيعة لا ينفصلان عن بعضها البعض، ولكن للأسف المتلقي على عجلة من أمره ولا يعطي افنّ القدر الذي يستحقّه من إهتمام، فيما تتاجر بعض صالات العرض التجاريّة بالفنّان وتقوم بتصعيده على حساب المتلقّي وفنّانين آخرين، بعرض الأعمال الرديئة وتفخمها من خلال الإعلام حتى تروّج لها وتبيعها.
ما رأيك في ادعاء قولبة فن المرأة في إطار معيّن وحصرها بداخله؟ وهل تم قولبتك في فترة ما؟
أولاً أرفض أن يكون هناك ما يدعى فن المرأة وفن الرجل، ولا يستطيع أحد الحكم على فنّي وتحديد ما إن كان فنّ امرأة أو رجل، ولا أسمح لأحد أن يحاول قولبتي أو تحجيمي، وهذه المسألة خارجة تماماً عن المنظومة الإنسانيّة الخاصّة بي، فلدي ثقة عالية فيما أُقَدّم، أنا إنسانة جريئة جدّاً في التعبير عن نفسي، ولا يوجد فنّان يتم قولبته بل هناك فنّان قادر على إيصال فنّه وفنّان غير قادر على القيام بذلك.
ماذا تنصحين الفنّانين الجدد كي يشكلوا اسلوبهم ولونهم الخاص؟
كل ما أقوله لكل فنّان شاب وشابّة أن يعملوا ويدرسوا، حاولوا ولا تخشو من التجربة، وعلى الفنّان أن لا يفرح بأول لوحة رسمها وأول معرض حَصَل من خلاله على جوائز، بل عليه تجربة أساليب مختلفة وخامات متنوّعة بدلاً من حصر نفسه في إطار ضيّق، على الفنّان أن يكون نفسه ويتحلى بالصبر ولا يتعجّل النتائج، لقد دَرَسْت الكثير في مشواري الفنّي واجتهدْت وتعذّبْت وأُقْمِعْت وانتُقِدْت، وقُطّعَت أعمالي ومشاريعي من قبل أساتذتي وهكذا تربيت وأصبحت إنسانة وفنّانة عصاميّة أفتخر بذلك، علّمت نفسي والتحقت بكليّة الفنون، وخضت تجاربي الفاشل منها والناجح، درسْت الكثير مثل دراستي لفن النحت والتشريح، كما أنّني أقرأ وأتابع وأنفتح على مختلف ثقافات العالم، وأحضر الكثير من المتاحف، فالمسألة كلها منظومة واحدة يجب أن تتحرّك مع بعضها البعض، وبالرغم من أن هناك أمور سلبيّة في بعض أعمالي إلّا أنّني أُثَمِّن كل التجربة مَرَرْتُ بها وأتعلّم منها.