“مدّ” مقهى مستوحى من تراث مدينة جدّة والهويّة العربيّة، يحمل مسمّاه (مدّ) معنيان، أولّهما المدّ والجذر وذلك لارتباط أهل مدينة جدّة بالبحر، وهو الموقع
الذي لا يبعد عنه المقهى، أمّا المعنى الثاني فهو دليل على مد يد العون .. مدّ الزائرين بالإلهام .. ومدّهم بالمشروبات المبتكرة والأطعمة الجديدة العضويّة، والأهم أنّها مصنوعة بحب، وصديقة للصحّة والبيئة، يعتمد المقهى في عمله على التجارة العادلة، ويلتزم بالمعايير الأخلاقيّة، ومبدأ الإستدامة مع الحرص على دعم المشاريع العائليّة، والفلّاحين وأصحاب المخابز وغيرهم من أصحاب المصلحة من خلال التعامل معهم.
الأطعمة التي يتم تقديمها في المقهى صحيّة، وخفيفة، بحيث يتم استبدال السكّر الأبيض بالتمر والسكريّات المستخلصة من الفاكهة الطبيعيّة، كما يحتوي الأصناف الخاليّة من الجلوتين، ومشتقات الحليب، ذلك مع الحرص في المقام الأول على المذاق اللذيذ، لتجمع بين أن تكون صحيّة ولذيذة، وبأسعار في متناول الجميع كونه يستقطب فئة الشباب في الأساس، ولا يقتصر مقهى مدّ على كونه مقهى يقدّم القهوة والمأكولات الخفيفة فحسب، بل يقوم الشكراء المؤسّسين بمجموعة من الأنشطة والفعاليّات المرتبطة بالمقهى، مثل الفعاليّات المرتبطة بالفن أبرزها الكاليجرافي والتلوين، وقد أجرى Medd تعاوناً مع تماشي السعوديّة، ذلك المشروع الذي يشاركهم في الكثير من الأهداف والأفكار.
وعن بداية فكرة المقهى قال الشريك المؤسس لمدّ كافيه علي غزّاوي لـ Design، “بدأت الفكرة بعد أن عاد شريكنا سالم باجنيد من دراسته وأفادنا برغبته في البدء بمشروع، وكان يود وضع الأفكار لمشاريع مختلفة، وضعنا مقترحات لأفكار متنوّعة ثم وقع اختيارنا على هذا المشروع، بدأنا في البحث عن المزيد من الشركاء، حيث قام بعرض الفكرة على كلّ منّا أنا ومحمد جستنيّة، وعائشة وزني، لنتشارك سويّا في إخراج Medd cafe إلى النور، وقرّرنا أن نقوم بشيء مختلف نوعاً ما، وتعهدنا بأن نعمل بأنفسنا ونتواجد بشكل مستمر في المقهى، بدلاً من الإعتماد على من يدير المكان، ونقوم بعمل أنشطة فيما بيننا كل شهر، مثل اختيارنا لقطعة معيّنة كقبّعة أو سترة أو وشاح، نقوم بارتداءها في المقهى وندعو من يود المشاركة معنا للقيام بذلك. وأضاف غزّاوي “ندير المقهى فيما بيننا بطريقة العمل التعاوني، أي أن كل شخص منّا لديه صوت واحد في أي قرار نريد أن نتفق عليّه بغض النظر عن المبلغ الذي ساهم به في المشروع.”
وافقته الرأي شريكته عائشة وزني، ثم أضافت لـ Design: “كلّ منّا يساهم بخبرته، فأنا مسؤولة عن التصميم الداخلي، والضيافة، والفعاليّات، بينما شريكي علي غزّاوي مسؤول عن البار والموظّفين، وزميلنا سالم باجنيد مسؤول عن المحمصة وحبوب القهوة، وشريكنا محمد جستنيّة هو المدير العام ومسؤول الحسابات، وبالرغم من ذلك فجميع القرارات التي نتخذها تكون باستشارة جميع الشركاء، حيث نحترم آراء بعضنا البعض ونتشاور بشكل دوري عدّة مرّات في الإسبوع.”
وأضافت وزني “نحاول من خلال هذا المشروع خدمة أصحاب المصلحة ممّن لهم دخل بمشروعنا، مثل الفلّاحين، والملّاك وحتى الموظّفين، والمستثمرين الخفيّين، إلى المجتمع نفسه والأرض، كل ما كنّا نريده هو شيء أخلاقي، مستدام، عضوي، يعتمد على التبادل التجاري والتجارة العادلة، والأهم الطريقة الطبيعيّة في تحضير المأكولات والمشروبات، أمّا عن الأرباح فالأمور تسير بأفضل حال، ونحن ما زلنا في البداية، علينا الكثير من الالتزامات كالرواتب والإيجارات، لذلك حتى الآن رواتبنا نحن المؤسّسين قليلة جدّاً، لأن هدفنا هو ضخ شركتنا بالمال قدر المستطاع.”
هذا ويعزم الشركاء على القيام بالمزيد الفعاليّات التي تحمل طابعاً معيّناً يخص مدّ، وورش عمل خاصّة بتحضير القهوة، وفيديوهات توعويّة وتعليميّة عن أنواع القهوة وطريقة تحضيرها، والمراحل التي تمر بها من الزراعة حتى نتناولها في كوب لذيذ، وذلك بعد ملاحظة القائمين على المقهى ندرة المحتوى العربي عن القهوة ومراحل تحضيرها، حيث تمر القهوة برحلة كاملة يشارك فيها الكثير من الأشخاص ممن يعانون ويبذلون الجهد حتى نحصل على هذا المشروب اللذيذ.
حيث يذهب الشريك المؤسّس لمقهى مدّ سالم باجنيد بنفسه إلى بلدان مثل كينيا و جيزان في جنوب المملكة باحثاً عن مؤسّسات تدعم التجارة العادلة ليحضر حبوب البنّ الخضراء من هناك، ثم يعمل على تحميصها ودمج أنّواع مختلفة من البنّ مع بعضها البعض حتى الخروج بمزيج يحمل مذاق استثنائي يميّز المقهي، باختلاف أماكن البن ونوعيّة القهوة، فهناك ثلاث أنواع من القهوة منها التجاريّة سريعة التحضير، أو القهوة ذات الجودة العالية، أو القهوة المتخصّصة بتركيز عالي وتختلف درجة تركيزها، حين تكون أكثر من ٨٠ إلى ١٠٠، أي أنّها قادمة من الجبال من بيئة نظيفة وهواء نقي، ليكون المنتج أكثر فخامة، ويتم بيع هذا البنّ سواء للأشخاص أو للمشاريع الأخرى، أمّا عن القهوة المفضّلة لكلّ من المشركاء المؤسّسين للمقهى، فيفضّل غزّاوي Guatemala Coffee فيما يفضّل كل من عائشة وزني ومحمّد جستنيّة الـ Colombian coffee والتي تتميّز بنكهة الكاكاو لقرب زراعتها من شجرة الكاكاو، وأخيراً يفضّل سالم باجنيد القهوة الإثيوبيّة Ethiopian Coffee.
أمّا عن سر التصميم المميّز للمقهى واللوحات وأعمال الجرافيتي على جدرانه بل وحتى داخل دورات المياه، فقد عقد Medd شراكة مع gallery A للحصول على اللوحات بحيث تتغيّر مرة كل شهر، ليمدّهم بلوحات جديدة تعبّر عن المكان، بحيث تكون بسيطة وممتعة، تغلب على بعض منها الهندسة الإسلاميّة بشكل عام، وجميع اللوحات هي لمصمّمين محلّيّين، مثل الفنّانة سهام عبدالقادر التي قامت بالرسم على جدران المقهى، وفنّان الجرافيتي السعودي شاكر كشغري، والفنّانة هند الثبيتي ودانيا بيّومي وغيرهم من الفنّانين، فيما قامت المصمّمة المحلّية شذى عبدالغني بتصميم الزي الموحد للعاملين في المقهى، أمّا عن الخط المستخدم في كتابة شعار المقهى، “مَدّ” فهو خط إيراني (نص تعليق) تم تصميمه بالتعاون مع هيا ديزاين، وتصميم الطاولات لأحمد عنقاوي،
وبالرغم من عدم تفهّم المحيطين بهم لطبيعة فكرتهم التي اعتبروها تقليديّة كونهم يودّون افتتاح مقهى، تلك الفكرة التي لم تكن مقنعة حتى لصناديق الاستثمار، قرّر الشركاء الاعتماد على أنفسهم بمساعدة عائلاتهم وأصدقائهم ممن آمنوا بفكرتهم لتجميع المبالغ كلّ منهم بقدر استطاعته، إضافة إلى الدعم المادي الذي حصلوا عليه من ١٥ مستثمر من بينهم الدكتورة لمى السليمان، وغازي بن زقر، رشا حفظي، وغيرهم، ولعل من أبسط الأمثلة على إيجابيّة فريق Medd في التفكير، وخروجهم بالحلول الإبداعيّة للعقبات التي قد تتعرّض طريقهم، ومواجهتهم لمشكلة تسريب أنابيب المكيّفات للماء من خلال وضعهم للنباتات أسفل مكان تسريب المياه، حتى يستفيد الزرع من المياه المتساقطة بدلاً من أن تلحق الضرر على المكان، واعتبار تلك المشكلة منغّصة عليهم.
هذا وقد أضافت هذه التجربة الكثير للشركاء الذين أفادوا لـ “ديزاين” عن مدى الخبرات التي اكتسبوها، بقولهم: “Medd ربّانا تربية الحياة، التربية التي لا يمكن تعلّمها من الأهل، فقد أصبحنا أكثر احتكاكاً بالمجتمع والأشخاص من حولنا، ما أكسبنا الكثير من الدروس، تعلّمنا كيفيّة التعامل مع فئات وأشخاص مختلفين مثل الفنّانين والطبّاخين والعمّال، وغيرهم، باختصار Medd أخرجنا من منطقة الراحة التي كنّا نعيشها، ونحاول الآن مساعدة كل من يحتاج إلى النصح في بدء مشروعه الجديد، بحيث نمدّه بكل ما نستطيع.” أما من جهة الدعم العائلي، فبالرغم من تخوّف عائلة كلّ منهم في البداية من فكرة المشروع، إلّا أنّهم الآن من أشد الداعمين لهم، بحيث تتواجد عائلاتهم في المقهى بشكل مستمر، ما جعل كلّ شريك يشعر بأنّه أحد أفراد عائلة شريكه ليصبحون أسرة واحدة.